المواضيع العاجلة
جارى التحميل
الخميس، 21 أغسطس 2014



الحمد لله الذي علم بالقلم، وغمر بالنعم، ووقانا من النقم، وأنقذنا من الجهالة والكفران، وجعلنا من أمة خير الأنام، خير أمة أخرجت للناس، فارتفعنا بتلك النسبة المباركة على غيرنا من الإنس والجن أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المستحق للتسبيح والتقديس والتعظيم والعبادة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  أفضل من عرف ربه وأجله وأحبه ونفذ أمره ونهيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الناس، فإن النصوص الشرعية -مِن كتاب وسنة- حافلة بإظهار شرف القلب، وأهميته، وعظم تأثيره، وأنه مناط التكليف؛ إذا الإسلام والإيمان والإحسان وما يتبع ذلك كله من عبادات باطنة، محلها القلب.
والقلب مَحَلُّ نظر الله تعالى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم" رواه مسلم.
وقد علق النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاحَ الفرد بصلاح القلب، فقال: "إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" رواه البخاري.
وصلاح الفرد صلاحان: مادي وروحي.
أما الصلاح المادي فمعلوم وظاهر؛ إذ إن سلامة القلب وبعده عن المسكرات والمخدرات والفواحش، وسائر الأمراض، يكسب الجسم نشاطاً وحيوية، وقدرة على التفكير والعمل، مما يجعل من ذلك الإنسان لبِنَة صالحة في رقي الأمة وإنتاجها، وبناء حضارتها.
وهذا إصلاح مادي كبير دعا إليه الإسلام ورغب فيه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير" رواه مسلم.
وأما الصلاح الروحي؛ فإن صلاح القلب يتبعه حسنُ القيام بحقوق الله تعالى، كالصلاة والصيام، والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعاملة الناس بالخلق الحسن.
والأمم إنما تقوم وتنهض بصلاح القلوب مع صلاح الأبدان، إلا أن أعمال القلوب عبادة تتفرد بها أمة الإسلام، فلو أحسنت هذه العبادة لاستوت على عرش الحضارة العالمية، كما كانت في قرونها الأولى، وما تلاها؛ لكونها تعنى عناية شديدة متميزة في إصلاح القلب روحياً، وحمايته من عبث العابثين، إضافة إلى إصلاحه مادياً.
معشر الفضلاء: كما أن للجوارح أعمالاً تتراوح بين الوجوب والاستحباب والتحريم والكراهة والإباحة، فالقلوب لها أعمال كذلك؛ فالإخلاص والتوكل والخوف والرجاء والتوبة، هي أعمال قلبية لا يعلمها ولا يطلع عليها إلا الله تعالى، وحكمها أنها واجبة.
والرضا والخشوع والشوق إلى الله تبارك وتعالى، والأنس به، والإقبال عليه، هي من أعمال القلوب المستحبة.
وأما الكفر، أياً كان من الإشراك والإلحاد والشك والنفاق، وكذا الكبائر بأنواعها: الرياء والعجب والكبر والفخر واليأس من رَوْح الله، والأمن من مكر الله، والفرح بأذى المسلمين، والشماتة بمصائبهم، والحسد، وحتى الصغائر وهي ما دون الكبائر، كل تلك حكمها التحريم وصاحبها آثم، وتحريمها حسب ما يتعلق بالقلب, فأعلاها حرمة ما يخرج صاحبها من الإسلام، ثم ما دون ذلك، إلى صغار الذنوب.
كما أن عبادات القلب تتفاضل، لأنها أعظم شأناً، وأبعد أثراً، فالقلب هو الذي يسعد بالقرب من الله تعالى، وهو المطيع له، وإنما المنتشر على الجوارح من العبادات أنواره.
كما أن القلب يتألم أعظم الألم حين يعصي العبد ربه، وانظروا إلى الوحشة التي تنتابه حين يقارف الزنا أو يشرب الخمر؟ فما هي إلا لحظات يسيرة حال اقتراف المعصية يوهمه إبليس بفرحة، تعقبها وحشة وظلمة وحسرة يعتصر منها القلب.
إن القلب هو محل العلم والتقوى، والحب والبغض، والوساوس والخطرات، وهو العالم بالله، والساعي إليه، وإنما الجوارح أتباع للقلب، وخدم له.

والسلف إنما فازوا فوزاً عظيماً، وسبقوا سبقاً بعيداً بإحسانهم العبادات القلبية، وتفردهم في هذا الباب تفرداً لا مثيل له انعكس على جوارحهم، فأذعنت لخالقها، وسلمت تسليماً... 
تعليقات
0 تعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
لا تنسى الإعجاب بصفحتنا على الفيسبوك
×